عقلية ناجحة
التفكير في المستقبل بين الأمل واليأس: متى يصير التخطيط مضرًا؟
نحن نحارب دومًا من أجل مستقبل أفضل لأنفسنا ولكل مَن نحب في الحياة. بداية من الأهل، مرورًا بأنفسنا، ونهاية بالأصدقاء، وفي بعض الأحيان نهتم بالأصدقاء أكثر من أنفسنا حتى. لكن للأسف، الحاجة الدائمة لضمان المستقبل وتحقيق استقرار مادي واجتماعي؛ تأتي على حساب الصحة النفسية والعقلية للمرء. ولهذا نسأل… هل التفكير في المستقبل مضر فعلًا؟ هل التخطيط سيء؟
في مقال اليوم سنجيب على سؤال إذا كان التفكير في المستقبل مضرًا أم لا، وبناءًا على ماذا تحديدًا؛ متحدثين عن نوعيّ المستقبل وكيفية التعامل مع كل منهما.
المستقبل بنوعيه
المستقبل هو زمن مجهول، فيه ما لم يحدث بعد، لكنه مقدر له الحدوث بلا شك، لأنه مكتوب بالفعل في لوح محفوظ.
وبالرغم من أنه سيحدث لا محالة بخيره وشرِّه، إلا أن هالة الغموض حوله تدفع الإنسان لفعل أي شيء لترجيح كفة المجهول لصالحه. مثلًا أنت تريد التقديم على وظيفة جديدة ولا تعلم إذا كان مقدر لك الحصول عليها أم لا، لكنه تحاول بكل الطرق ترجيح كفة الميزان لصالحك عبر دراسة أسئلة المقابلات والتحضير جيدًا وخلافه.
على مستوى المستقبل القريب؛ إن التفكير في المستقبل والتخطيط له ليس بالشيء السيء على الإطلاق، لأنه في النهاية قريب، ومهما طالت فترة التخطيط، لن تكون طويلة فعلًا، وبالتالي لن تقع على كاهلك الأعباء النفسية والذهنية للتخطيط المطول.
لكن على الناحية الأخرى في المستقبل البعيد؛ الوضع أسوأ بكثير. فعندما نتحدث عن المستقبل البعيد، يكون التخطيط مؤلمًا جدًا، لأننا هنا أضفنا عامل الزمن، والزمن الطويل يزيد من القلق والتوجس، ويجعلك تشكك في كل خطوة تخطيطية تقوم بها من أجل تحقيق الهدف، وهنا تقع في الفخّ ويتحول التخطيط إلى نقمة.
أهذا يعني أن التفكير في المستقبل البعيد غير مفيد؟
التفكير في المستقبل البعيد في نطاق البُعد الزمني؛ أجل مضر، ومضر جدًا أيضًا.
وهنا نأتي على سؤال آخر: إذا كان المستقبل البعيد مضرً عند التخطيط له، كيف إذًا نتركه جانبًا بينما سيؤثر على حياتنا وحياة مَن نحب؟
ابني مثلًا سيذهب للجامعة بعد عامين من الآن، ويحتاج لمصروفات ونفقات خاصة وكبيرة وليست معي حاليًّا، يجب أن أدخر المال وأتقشف طوال هذه الفترة، ويجب أن أبدأ الآن، أتريدني أن أضيع مستقبل ابني؟!
بالطبع لا، أنت بالفعل أجبت على نفسك، أنت ستبدأ في الادخار الآن، شهرًا بعد شهر، أليس كذلك؟
إذًا هنا نحن تركنا التفكير في المستقبل البعيد، وركزنا على التفكير في المستقبل القريب، أي أننا جزأنا المستقبل إلى قطع صغيرة قابلة للتخطيط السريع، وجعلنا الزمن منكمشًا بقدر الإمكان وبذلك لا نشعر بخيبة الأمل لفترة طويلة.
اقرأ أيضًا: كيف تنجح في أول طلب عمل حر تقوم به على أي موقع؟
كيف نقيس مدى نجاح تخطيطنا؟
في أي بيئة عمل، يوجد تعريف ثابت لا غنى عنه: مؤشرات الأداء.
وهي النتائج المطلوب تحقيقها من فريق العمل خلال فترة زمنية معينة. إذا تم تحقيقها، يكون المؤشر مرتفعًا، ويُبقي الموظف على وظيفته أو يحصل على علاوة مالية، وإذا لم يتم تحقيقها، يكون المؤشر منخفضًا، ويحصل الموظف على تحذير ثم يخسر وظيفته.
يجب أن تضع لنفسك مؤشرات تقيس مدى جودة التخطيط الحالي في سباقك نحو التفكير في المستقبل القريب بفعالية.
- هل تريد الذهاب مع الأسرة في عطلة خارج البلاد الشهر القادم؟ مؤشرك هو تحقيق مبلغ مالي معين قبل نهاية الشهر بأسبوع.
- هل تريد ترك العمل بينما لديك وظيفة أخرى مخطط لها بالفعل؟ مؤشرك هو رد فعل مديرك الحالي على احتمالية تركك للعمل.
وفي النهاية، اعلم أن التفكير في المستقبل مفيد، لكن فقط المستقبل القريب، المستقبل الذي تستطيع لمسه سريعًا واجتياز أي خيبة أمل ترتبط به، لأنك ستجد نفسه تخطط للمستقبل القريب التالي صاحب الهدف التالي، وتظل في حلقة من المشاعر المتتابعة التي لا تعطيك وقتًا للتحسر واليأس لفترة طويلة.
1 thought on “التفكير في المستقبل بين الأمل واليأس: متى يصير التخطيط مضرًا؟”