اقوالتنزيل مجانيثقافةعقلية ناجحة
العلم و الايمان
قبل عقود طويلة دار حوار جدي وثقافي بين الناقد جلال العشري والكاتب شوقي عبد الحكيم في شارع سليمان باشا في مصر, وكان الدكتور مصطفى محمود يراهما في منامه وهما بنفس هذا الحدث, بعد أن استيقظ الدكتورمصطفى محمود من نومه تكلم هاتفيا مع الناقد جلال العشري وأخبره بانه رءاه مع شوقي عبد الحكيم وهما يتحدثان بالنقد والأدب مستخدمين اللغات الانجليزية والفرنسية، تفاجأ جلال العشري وقال للدكتور مصطفى محمود: هذا حدث فعلا !
هذا المنام غير مسار حياة الدكتور مصطفى محمود الذي كان تفكيره علمي مادي بحت والمتأثر بالشخصيات الفكرية التي تناولت مسألة الالحاد حتى صار يُؤْمِن بأن الله هو الاله العظيم خالق كل شئ فكل مخلوق ، الله خالقه وبأنه الله البديع القادر على كل شئ وعلمه محيط بكل شئ وصار يُؤْمِن بالغيب والقدرات الخارقة التي قد يهبها الله لاوليائه المؤمنين ، قبل ذلك كان الدكتور مصطفى محمود يتعرض للهجوم بسبب عدم إيمانه الصحيح وايمانه بالعلوم المادية فقط وانخداعه ببعض الخزعبلات او ببعض الخرافات التي ليس فيها أي نوع من الفائدة .
الدكتور مصطفى محمود هو طبيب وفيلسوف وكاتب مصري ، درس الطب وتخصص في الامراض الصدرية وتخرج عام 1953 ثم تفرغ للكتابة والبحث عام 1960 ، ألف الكثير من الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية .
لم يكن الدكتور مصطفى محمود طبيبا عاديا بل اشتهر بحب العلم بكافة انواعه والتفكر بما خلقه الله العظيم ، الله الاله الأحد الصمد خالق السماوات والارض بديع السماوات والارض ، وخالق الانسان بما فيه من خلايا وأجهزة مختلفة ، فقد عشق الدكتور مصطفى علم التشريح ودراسة مختلف الكائنات الحية حتى الحشرات وعلاقتها بالانسان ، وهب حياته للعلم والايمان ، تفكر في الخلق والكون والحياة ، علم بأن العلم من دون ايمان لا جدوى منه وأن العلم يصاحبه الايمان حتى نصل لحقيقة قدرة الله العظيم وأنه مدبر الأمور كلها .
ان البرنامج الشهير العلم والايمان (400 حلقة ) الذي قام به الدكتور مصطفى محمود يكاد يكون واحدا من أهم انجازات عالمنا الفاضل وما يتضمنه هذا البرنامج من علوم ومعارف كونية تجعل الانسان يربط بين المعارف والعلوم مع الايمان بالله عز وجل والسعي للعمل الصالح والسعي لرضا الله عز وجل .
حينما يريد الانسان الوصول الى الحقيقة ويتخذ من العلم سبيلا الى ذلك ، فان الله العظيم يهيأ له اسباب الايمان ، فمع تزايد التيار المادي وظهور الوجودية ، عاش العالم الفاضل ثلاثين سنة غارقا في الكتب والاف الليالي من الخلوة والتأمل وتقليب الفكر وفي البحث عن الله ومعرفة الانسان وحل لغز الحياة والموت وقرأ عن البوذية والهندوسية وكان عاجزا عن التعرف على التصور الصحيح لله ، فكانت كتبه المثيرة للجدل والمحفزة للفكر والتأمل منها : حوار مع صديقي الملحد ، رحلتي من الشك الى الايمان ، لغز الموت ، لغز الحياة .
تعرض لازمات فكرية بسبب بعض كتبه واختلاف أرائه عن السائد ولكن هذه الاختلافات موجودة دائما وقد تحدث بين العلماء ، المهم هو ان الاساس سليم والايمان الصحيح موجود ويبقى توحيد الله هو ما يجمع عباد الله المؤمنين ، فلا يوجد افضل من توحيد الله ، وطاعته والسعي لرضاه .
قيل عنه : ” الدكتور مصطفى محمود رجل علم وفضل ومشهود له بالفصاحة والفهم وسعة الاطلاع والغيرة على الإسلام فما أكثر المواقف التي أشهر قلمه فيها للدفاع عن الإسلام والمسلمين والذود عن حياض الدين وكم عمل على تنقية الشريعة الإسلاميّة من الشوائب التي علِقت بها وشهدت له المحافل التي صال فيها وجال دفاعاً عن الدين ” .
برع العالم الفاضل في الفلسفة والادب والتصوف ، ان كان الدكتور مصطفى محمود قد ألحد فترة من حياته فانه عاش فترة البحث عن الله وعن الانسان وعن الكون فوصل الى الله العظيم من خلال العلم والفكر ونجح بالجمع بينهما فكان عالما ومفكرا دينيا ، صاحب فكر رشيد وأعطاه الله من العلم ما مكنه وقتها من الايمان الصادق بالله والبعد عن كل ما تحمله باقي الافكار والمعتقدات من تشوهات وخرافات ، درس القرءان الكريم ووجد فيه الاعجاز العلمي وما فيه من الحقائق والعلوم الكونية والايات التي تدعو للايمان والعمل الصالح .
يكاد يكون البرنامج التلفزيوني الشهير” العلم والايمان ” من أهم البرامج العربية ، نجد بالمقدمة الناي الحزين الذي يحمل دلالات تجعل المستمع يتأمل ويتفكر في خلق الله وعلمه الواسع ثم ترحيب العالم الفاضل بالمشاهدين بقوله : اهلا بيكم .. ثم يبدأ الدكتور مصطفي محمود بالتكلم عن موضوع علمي معين ويعرض فيديوهات علمية وثقافية فيها عمق معرفي واستمتاع لا متناهي ويسترسل الدكتور مصطفى محمود بالشرح المفصل عن موضوع الحلقة وفي النهاية يعطينا العالم الخلاصة ويربط بين ما عرفناه بالموضوع العلمي مع الايمان بالله والاستشهاد بايات من القرءان الكريم .
يبدو أن الدكتور مصطفى محمود أراد نقل ما أنعم الله عليه من معارف وعلوم من خلال شاشة التلفاز مع وجود فيديوهات توضيحية وثقافية وعلمية ، نحن نؤمن بأنه قام بذلك البرنامج ابتغاء وجه الله ليس حبا للظهور أو الشهرة فأراد تثقيف المجتمع وزيادة معارفه وزيادة الوعي لتوجيه القلوب والعقول نحو الايمان بالله والعمل الصالح فهو يعلم أن القراءة نادرة في مجتمعاتنا العربية ولعل برنامجه بما يتضمنه من علوم وروحانيات يعوض النقص الذي تعاني منه أمة محمد عليه الصلاة والسلام ولو قليلا .
الكلام عن الدكتور مصطفى محمود طويل وقد نحتاج الى مجلدات وملفات كثيرة ووحدات تخزين حاسوبية لنكتب عن سيرة حياته .
أنشأ مسجدا في القاهرة اسمه مسجد مصطفى محمود يتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود ويضم المركز أربعة مراصد فلكية، ومتحفاً للجيولوجيا، يقوم عليه أساتذة متخصصون ….. ما تزال حلقات برنامج العلم والايمان منتشرة بين الناس تزيدهم ثقافة وعلما فالدكتور مصطفى محمود كان واسع الاضطلاع ، كان عالما ، مثقفا ، مفكرا ومبدعا .
لا بد هنا من التأمل في خلاصة بعض الحلقات التي تزيدنا ايمانا وثباتا على الحق وتصديقا بما جاء به الدين القيم ، وخلاصات هذه الحلقات تعبر عما نعيشه الان في عصرنا الحاضر .
قال الدكتور مصطفى محمود ” لو انتشر فيروس قاتل في العالم واغلقت جميع الدول حدودها لانقسمت الناس الى فئتين ، فئة تعمل ليلا نهار مستخدمة ادوات العلم والمعرفة لايجاد علاج وفئة تنتظر مصيرها المحتوم ” أليس هذا ما نعيشه اليوم في ظل أزمة وباء كورونا ، بينما يعمل العالم الغربي لايجاد لقاح للفيروس ، ينتظر العرب العلاج من الغرب لان وسائل العلم والمعرفة بالشرق الاوسط للأسف قاصرة عن ايجاد لقاح لفيروس كورونا ، قد تظهر بعض المحاولات الساذجة بايجاد لقاح من البعض بعالمنا العربي أملا بالشهرة وليس لانقاذ البشرية .
في بعض الحلقات يذكر فيها الدكتور مصطفى محمود عن اقتصاد اليابان وسنغافورة وكيف استطاعت هذه الدول تحقيق الكثير والتطور الاقتصادي وما تتمتع به اليابان من تكنولوجيا متطورة ورفاهية بالعيش لهذه المجتمعات …. لماذا ؟ لأنهم اتبعوا نهج العلم والعمل واستطاعوا تحقيق الكثير من الانجازات بالرغم من قلة الموارد ، وما تزال اليابان وسنغافورة في تطور مستمر وللأسف حدثنا الدكتور مصطفى عن حال الشباب بالمجتمع العربي المتأثر بالثقافة الغربية البعيد عن دراسة العلوم والابتكار والبحث العلمي ، الشباب المنشغل بالاغاني وكرة القدم ، وما زلنا نعيش ذلك يوميا ،فالشباب منشغلون بالامور الحياتية بعيدون عن الاهتمام بالعلم ونهضة الامة والعمل الصالح الا من رحم ربي .
في احدى الحلقات يتحدث الدكتور مصطفى محمود عن عظماء الدنيا وعظماء الاخرة ، وبهذه الحلقة يعرض علينا فيديو لعلماء اثار يكتشفوا بعض الاثار العائدة للفراعنة وبالحفر نكتشف عصرا من العصور الزمنية الغابرة في كل سنتيمتر مكعب وخلاصة الحلقة بأن ملوك ووزراء الفراعنة كانوا يعدوا انفسهم للاخرة معتقدين أنهم عظماء ويفاجأوا بالخسارة في الاخرة والكثيرين من اهل الدنيا يهتموا بأنفسهم وشهرتهم معتقدين انهم فائزون في الاخرة ولكنهم بعيدون عن رحمة الله لانهم نسوا الله ، بالمقابل نجد أناسا نسوا الاهتمام بأنفسهم حتى صارت اعمالهم كلها لوجه الله تعالى.
أما الانبياء والاولياء فهم الذين يدعون : ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار ، فقد انعم الله على انبيائه بالكثيرمن الاشياء مثل الكتاب والحكم والنبوة ومنهم من كانوا ملوكا ، كذلك الاولياء لهم حياة طيبة وتمكين في الدنيا .
اما رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام فهوأعظم الخلق والناس أجمعين وقد ذكره الله العظيم واصفا : انك لعلى خلق عظيم وليس على علم عظيم او فن عظيم ، لان العلوم قد تكون مهلكة فصناعة الاسلحة علم والقنابل علم ومؤذية للبشرية اما الخلق العظيم يمثل مفهوم واسع وشامل فيه كل الخير للبشرية .
كم من أناس تم اعتبارهم من المشاهير انتهت سيرتهم من الوجود وماتوا بأبشع الطرق ، وكم من أناس ماتوا وهم ساجدين لله او وهم يقرأون القرءان او وهم يعلمون الناس ما ينفعهم وهذه الامور ما تزال تحصل حتى يومنا هذا.
تتنوع مواضيع برنامج العلم والايمان مثل لغز الموت ، زراعة القلب ، الخلايا ، المرض ، الفيروسات ، الكائنات الحية والنباتات والحشرات ، تدبير الارزاق ، المريخ والعلوم الكونية وغيرها الكثير من المواضيع العلمية .
وفي عام 2003 أصبح يعيش منعزلاً وحيد اً وابتعد عن الناس ، يقول الشاعر كامل الشناوي بأن الدكتور مصطفى محمود وجد في القرءان الكريم جميع الاجابات بعدما كان يظن ان العلم بمقدوره الاجابة عن كل شئ.
توفي الدكتور مصطفى محمود عام 2009 بعد علاج استمر طويلا وصراعا مع المرض لكن للاسف لم تتحدث وسائل الاعلام عنه كثيرا ولم يحضر جنازته من المشاهيرالا القليل .
لا بد من الاشارة بأن قيمة الانسان سواء كان عالما او انسانا بأي مهنة اخرى او اي مجال اخر تكمن فيما يقدمه من عمل صالح وخير للناس .
الدكتور مصطفى محمود قام بحل معادلة البشرية الصعبة وهي دمج العلم مع الايمان فكلاهما مترابطان متكاملان وهذا من الاعمال الصالحة الهامة ، بعلمه دعا البشر للاسلام والايمان وبايمانه وجد الاجابات عن التساؤلات العلمية حتى وصل لحقيقة قدرة الله الاله الفرد الذي ليس له شريك في الملك وهو على كل شئ قدير .
العالم الفاضل تلقي عليه الملائكة السلام ونسأل الله له ولعلماء المسلمين الرحمة والمغفرة ، فالعلماء هم ورثة الانبياء وقد رفعهم الله العظيم بقوله : يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات . …سلام الى الدكتور مصطفى محمود …. رحمك الله رحمة واسعة .
©️ مجلة نجاح germany-afrika-tv.com . كل الحقوق محفوظة.
المصدر: النص: afripamediaservice.com / germany-afrika-tv.com/
الصور: pixabay